Jumat, 17 Desember 2010

نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف

إعداد وترتيب
أخيار الصديق محسن

مدرس اللغة العربية والدراسات الإسلامية بمعهد الإمارات،  وطالب في قسم اللغة العربية - الدراسات العليا - بجامعة سونان غوننج جاتي الإسلامية الحكومية - باندونج - جوا الغربية - أندونيسيا.

مقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجا، قيما، لينذر بأسا شديدا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا. والسلام على رسوله محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :

فإن القرآن الكريم هو كتاب الله العزيز، الذي أنزله الله سبحانه على رسوله الأمي  ، فقد تكفل الله تعالى بحفظه، فقال : إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.(سورة الحجر [15] : 9)، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم, وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، وهو كتاب الهدى الذي شأنه جدير أن يهتم به، وصرف نفائس الأوقات في دراسته، والدفاع عنه وحمايته من عبث العابثين وكيد الكائدين.

ولم نعلم كتابا من الكتب السماوية المنزلة أو غيرها نال العناية والاهتمام به اهتماما بالغا ما ناله هذا القرآن العزيز، لدرجة أن علماء المسلمين قديما وحديثا لم يتركوا جانبا من جوانبه – سواء ما يتعلق به بنظمه وأسلوبه، أو ما يتعلق بمضمونه أو محتواه – إلا أخذوه بالدراسة والتمحيص ما يعجز القلم عن تعبيره ووصفه، إلى درجة حروفه وكلماته.

هذا، وإن أولى الناس بدراسة هذا الكتاب الكريم، والإلمام بتاريخه والتعمق في علومه، والتأمل في معانيه، وتدبر آياته، والسير على منهاجه، هم المسلمون، وعلى رأسهم الدعاة إلى الله تعالى. فعليهم أن يدرسوه دراسة جادة للوصول إلى ما هو أسمى وأرفع الغرض مما جاء فيه.

وحين نتحدث عن علوم القرآن، وهي من أشرف العلوم الإسلامية, لا شك أن هناك موضوعات كثيرة تندرج تحتها مباحث عديدة، والحديث عنها طبعا نحتاج إلى صفحات كثيرة، وجهد غير قليل، ففهذه المقالة المتواضعة التي بين أيدينا الآن نحاول أن نتطرق إلى جزء منها، وهو عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف، وهو موضوع مهم وصالح للبحث والمناقشة.

والله نسأل أن ينفع به، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، آمين.
باندونج ، 11 رمضان 1430 هـ/11 سبتمبر 2009 م


الباب الأول


تمهيد


الفصل الأول : خلفية البحث

ولَمَّا كانت الأمة التي أرسل إليها النَّبِيّ أمِّيَّة، وفيهم من لا يقدر على غير لسان قومه، سأل النَّبِيّ جبريل، فأخبره أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، فكان ذلك تيسيرًا على المكلفين، ليسهل عليهم تلاوة القرآن، وحفظه، والعمل به.

فلا يخفى ما للقرآن العظيم من مكانة عند المسلمين، فهو كتاب ربهم وشرعه ودستوره الذي ارتضاه للناس إلى يوم الدين، وهو معجزة نبيهم التي تحدى بِها العرب والعجم.

وقد لقي القرآن من المسلمين على مر العصور أبلغ العناية والاهتمام، وحظي بأقصى درجات الحرص والحيطة، فكان أهل كل عصر يجتهدون في المحافظة عليه بشتى الوسائل التي تتاح لهم .و من حفظ الله لكتابه أن سخر له من يحمله و يقوم به آناء الليل وأطراف النهار. و من الأشياء التى امتن الله بها على أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه أنزل القرآن الكريم على سبعة أحرف.

وألاحظ أن الحديث عن نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف هو حديث شاق و شائك ودقيق يحتاج الناطر فيه إلى التأمل, و إمعان النظر, و التأني في أخذ القرار, و عدم التسرع في وضع الاستنتاج. وقال الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة : وليس من الشك في أن هذا البحث – نزول القرآن على سبعة أحرف – شائك، و دحض مزلة، والباحث فيه يحتاج إلى شيئ غير قليل من البصر بموضع قدمه، ومن الأناة والصبر ، وهكذا.


الفصل الثاني : تحقيق البحث

وبعد ما تبين للكاتب القضية التي سبق ذكرها في خلفية البحث فيرجو الكاتب من خلال السرد والبيان تحقيق الأمور الرئيسة فيما يلي :

1. ما هو المراد بنزول القرآن على سبعة أحرف

2. الفوائد والحكم الجليلة من نزول القرآن على سبعة أحرف


الفصل الثالث : أغراض البحث

ومن المعلوم أن لكل بحث من البحوث في أي مجال كان يعمله باحث غرضا بل أغراضا معينة يستهدف من ورائها، هذا ونفس الحال عندما يبحث الكاتب عن هذا الموضوع – نزول القرآن على سبعة أحرف – الذي اهتم به كثير من علماء المسلمين قديما وحديثا, وظل هذا الموضوع متداولا في كتب علوم القرآن، وأما الأغراض التي يريدها الكاتب فيه من خلال سرد هذا الموضوع هي كالآتي :

1. معرفة المراد بنزول القرآن على سبعة أحرف

2. معرفة الحكم الجليلة من نزول القرآن على سبعة أحرف


الباب الثاني
نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف

الفصل الأول : معنى الحروف السبعة

وهناك آراء العلماء حول المراد بالأحرف السبعة، نختار منها هاهنا أشهرها وأهمها وأرجحها, وهي ما يلي :

1- وذهب أكثر العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب – اختلف العلماء في تحديد اللغات السبع. قيل : إن بعض القرآن نزل بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن, وبعضه بلغة كنانة، وبعضه بلغة تميم، وبعضه بلغة اليمن. وقال أبو حاتم السجستاني : نزل القرآن بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة الأزد, وبعضه بلغة ربيعة، وبعضه بلغة تميم، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة سعد بن بكر - في المعنى الواحد، مثل : هلم ، أقبل ، تعال ، تعال. فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد، هو طلب الإقبال. وإلى هذا الرأي ذهب سفيان بن عيينة، ابن جرير, ابن وهب، وخلائق كثيرون, ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء، وهذا هو الرأي الراجح من جميع الأراء التي تتحدث عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف.

واستدل هذا الرأي بما جاء في حديث عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ . فقال : هكذا أنزلت . ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت. إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه.

و في حديث أبي بكرة : أن جبريل قال : يامحمد, اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل : استزده، فقال : على حرفين، حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال : كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب.

قال ابن عبد البر : إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، وأنها معاني متفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا يكون في شيئ منها معنى وضده، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا ينفيه ويضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب.

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره، إن الحروف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم، هن لغات سبع في حرف واحد، وكلمة واحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل : هلمّ، أقبل، تعال، إليّ، قصدى، نحوى، قربى ونحوى ذالك، مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعاني، وإن اختلفت بالبيان به الألسن.

ورد الطبري على تساؤل مفترض : في أي كتاب الله نجد حرفا واحدا مقروءا بلغات سبع مختلفات الألفاظ ومتقات المعاني؟ - أجاب : بأننا لم ندع أن ذلك موجود اليوم. وقال السائل : فما بال الأحرف الستة غير موجودة ؟ - أجاب الطبري : بأن هذه الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت كما أمرت، ثم دعت الحاجة إلى التزام القراءة بحرف واحد مخافة الفتنة في زمن عثمان، ثم اجتمعت الأمة على ذلك، وهي معصومة من الضلالة .

2- قيل : إن الأحرف السبعة معناها سبعة أوجه، هى الأمر والنهى والوعد والوعيد والجدل والقصص والأمثال ، أو هى : الأمر والنهى والحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال. قال الزركاشي في البرهان : هذا القول لا يثبت عند أهل العلم، وهو مجمع على ضعفه0

ورد هذا الوجه بأن التوسعة كما هو مفهوم من الأحاديث والروايات الواردة فى نزول القرآن على سبعة أحرف هى خاصة بالألفاظ وليس بالمعانى ، وذلك بأن تقرأ الكلمة على وجهين أو ثلاثة ، ولا يمكن أن تكون التوسعة فى تحريم حلال ولا فى تحليل حرام ، ولا فى تغيير شئ من المعانى المذكورة.

والذي ثبت في الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها، أن الصحابة الذين اختلفوا في القراءة احتكموا إلى النبي ، فاستقرأ كل واحد منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال النبي  للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم، كما ورد في حديث عمر السابق، قال النبي  : إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه. أي على سبعة لغات.

3- قال آخرون : إن الأحرف السبعة تعني القراءات السبع – وهي قراءة أبي عمرو ويعقوب في البصرة، حمزة وعاصم في الكوفة، ابن عامر في الشام، ابن كثير في مكة, ونافع في المدينة - .

قال محمد بن محمد في كتابه : هذا القول باطل، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك أهل الجهل. وقال : إن القراءات الثابتة المتواترة ليست منحصرة في السبع المشهورة وأنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون مرادة من الحديث، وكيف يمكن أن تكون القراءات السبع المشهورة هي المرادة من الحديث وهي إمنا عرف كونها سبعا من قبل أن رواتها المشهورين سبعة، وهذا شيئ علم بعد زمن النبي بثلاثة قرون تقريبا على يد ابن مجاهد. ومن ثم غير معقول أن يخبر النبي بنزول القرآن على حروف لم تعرف، ولم تشتهر إلا بعده بقرون.

4- وقيل : إنها سبعة أوجه لا يخرج عنها الاختلاف فى القراءات وهى : - اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث، مثل قوله تعالى :وَالَّذِيْنَ هُمْ لأَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُوْنَ. قرئ " لأَِمَانَاتِهِمْ " بالجمع، وقرئ " لأَِمَانَتِهِمْ " بالإفراد.- اختلاف وجوه الإعراب، مثل قوله تعالى : "مَاهَذَا بَشَرًا" قرأ الجمهور بالنصب، على لغة الحجاج. وقرأ ابن مسعود "مَاهَذَا بَشَرٌ" على لغة تميم. - اختلاف بالنقص والزيادة، مثل قوله :" وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا اْلأَنْهَارُ" قرئ "مِنْ تَحْتِهَا اْلأنَهْاَرُ" بزيادة "مِنْ" وهما قراءتان متواتراتان. والنقصان، كقوله تعالى :" قَالُوا اتَّخَذّ اللَّهُ وَلَدًا" بدون واو، وفي قراءة الجمهور:"وَقَالُوا اتَّخَذّ اللَّهُ وَلَدًا" بالواو. - الاختلاف بالتقديم والتأخير، إما في الحرف، كقوله تعالى :"أفلم يايئس"، وقرئ " أفلم يأيس". وإما في الكلمة، كقوله تعالى :" فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" بالبناء للفاعل في الأول، وللمفعول في الثاني، وقرئ بالعكس.- الاختلاف بالإبدال، سواء أكان إبدال حرف بحرف، كقوله تعالى :" وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا" قرئ بالزاء المعجمة مع ضم النون، وقرئ بالراء المهملة مع فتح النون. أو إبدال لفظ بلفظ، كقوله تعالى :"كاَلْعِهْنِ الْمَنْفُوْشِ" وقرأ ابن مسعود وغيره " كَالصُّوْفِ الْمَنْفُوْشِ".- اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام والهمز والتسهيل والإشمام. كالإمالة وعدها في مثل قوله تعالى :" وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى" قرئ بإمالة "أتى" و"موسى". وترقيق الراء في قوله تعالى :" خَبِيرًا بَصِيرًا" . وتفخيم اللام في "الطلاق". وتسهيل الهمزة في قوله :"قَدْ أَفْلَحَ" وإشمام الغين ضمة مع الكسر في قوله تعالى :" وَغِيضَ الْمَآءُ" - والاختلاف في التصريف، مثل في قوله تعالى :" فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا" و"بَاعِدْ" بصيغة الأمر، و"بَاعَدَ" بفتحة العين على أنه فعل ماض، وقرئ "بَعَّدَ" بفتحة العين مشددة على أنه فعل ماض أيضا.

وللإجابة عن هذا الرأي، نذكر باختصار قول الشيخ مناع القطان في كتابه : هذا، وإن كان شائعا مقبولا لكنه لا ينهض أمام أدلة الرأي الأول التي جاء التصريح فيها باختلاف الألفاظ مع اتفاق المعاني، وبعض وجوه التغاير والاختلاف التي يذكرونها ورد بقراءات الآحاد، ولا خلاف في أن كل ما هو قرآن يجب أن يكون متواترا، وأن أكثرها يرجع إلى شكل الكلمة أو كيفية الأداء مما لا يقع به التغاير في اللفظ، كاختلاف في الإعراب، أو التصريف، أو التفخيم، والترقيق وغيره، وهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع في اللفظ والمعنى، لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرج عن أن يكون لفظا واحدا.

5- ورأى بعض العلماء أن الحروف السبعة الواردة في الحديث لا تدل على حقيقتها، وإنما هي رمز إلى ما ألفه العرب من معنى الكمال. فلفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة والكمال في الآحاد، كما يطلق السبعون في العشرات، والسبعمائة في المئتين، ولا يراد المعنى المعين.

ونرد على هذا القول : بأن الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا بعضها، تدل بنصها على حقيقه العدد وانحصاره, قال النبي  :" أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف". وقال عليه الصلاة والسلام : "إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه". وقال في حديث آخر رواه مسلم : "وإنّ ربي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه أن هوّن على أمتي، فأرسل إليّ أن أقرأ على سبعة أحرف". فهذه الأحاديث تدل على حقيقة العدد السبع المعين والمحصور، و الله أعلم.

الفصل الثاني : النصوص الواردة

وهذه هي الأحاديث الصحيحة نسوقها إلى من يريد مزيدا من التوضيح والبيان حول الموضوع – نزول القرآن على سبعة أحرف – استدلالا من ناحية، وتأكيدا لبيان المعنى المراد، وردا على مزاعم باطلة، وإقامة لمعالم الحق فيه من ناحية أخرى :

- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.

- عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ أَوْ بِرِدَائِي فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَهُ كَذَبْتَ فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا فَانْطَلَقْتُ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الْفُرْقَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَؤُهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأْتُ فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.

- عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ قَالَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَقَالَ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَقَالَ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ فَقَالَ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا".

- عَنْ أُبَيٍّ قَالَ : لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ أَحْجَارِ الْمِرَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام : "إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ فِيهِمْ الشَّيْخُ الْعَاصِي وَالْعَجُوزَةُ الْكَبِيرَةُ وَالْغُلَامُ ." قَالَ : فَمُرْهُمْ فَلْيَقْرَءُوا الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.

- عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ عَلَى أَيِّ حَرْفٍ قَرَأْتُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ فَلَا تَتَمَارَوْا فِيهِ فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ ".

- عَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ ، فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ .


الفصل الثالث : الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف

لقد ذكر العلماء العديد من الوجوه التي تبين الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف. ونحن - في مقامنا هذا - نقتطف من تلك الوجوه أوضحها وأظهرها، فمن ذلك :

- الدلالة على حفظ كتاب الله سبحانه من التبديل والتحريف؛ ووجه ذلك أنه على الرغم من نزول القرآن بأكثر من حرف، غير أنه بقي محفوظاً بحفظ الله له، فلم يتطرق إليه تغيير ولا تبديل، لأنه محفوظ بحفظ الله .

- التخفيف عن الأمة والتيسير عليها؛ فقد كانت الأمة التي تشرَّفت بنـزول القرآن عليها أمة ذات قبائل كثيرة، وكان بينها اختلاف في اللهجات والأصوات وطرق الأداء, ولو أخذت كلها بقراءة القرآن على حرف واحد لشقَّ الأمر عليها. والشريعة مبناها ومجراها على رفع الحرج, والتخفيف عن العباد. وقد جاء في الصحيح أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه يأمره أن يقرأ القرآن على حرف فطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهون على هذه الأمة فأمره أن يقرأه على حرفين فطلب منه التخفيف إلى أن أمره أن يقرأه على سبعه أحرف. والحديث في صحيح مسلم.

- إظهار فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم؛ إذ لم ينـزل كتاب سماوي على أمة إلا على وجه واحد، ونزل القرآن على سبعة أوجه، وفي هذه ما يدل على فضل هذه الأمة وخيريتها.

- بيان إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب، فعلى الرغم من نزول القرآن على لغات متعددة من لغات العرب، غير أن أرباب تلك اللغات وفرسانها لم يستطيعوا مقارعة القرآن ومعارضته، فدلَّ ذلك على عجز الفِطَر اللغوية العربية بمجموعها على الإتيان ولو بآية من مثل آيات القرآن الكريم .

- إن تعدد تلك الحروف القرآنية وتنوعها يحمل دلالة قاطعة على أن القرآن الكريم ليس من قول البشر، بل هو كلام رب العالمين؛ فعلى الرغم من نزوله على سبعة أحرف، إلا أن الأمر لم يؤدِ إلى تناقض أو تضاد في القرآن، بل بقي القرآن الكريم يصدق بعضه بعضًا، ويُبيِّن بعضه بعضًا، ويشهد بعضه لبعض، فهو يسير على نسق واحد في علو الأسلوب والتعبير، ويسعى لهدف واحد يتمثل في هداية الناس أجمعين.

- قال العلامة الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه : إن من فوائد (حكمة) لاختلاف القراءة وتعدد الحروف، بيان لفظ مبهم على البعض، نحو قوله تعالى :"وَتَكُوْنُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوْشِ".(سورة القارعة :5) وقرئ :" كالصُّوْفِ الْمَنْفُوْشِ" فبينت القراءة الثانية أن العهن هو الصوف. والله أعلم

الباب الثالث


الخاتمة

الفصل الأول : النتــــــائج

وبعد سرد الحديث في الباب الثاني عما يتعلق بموضوع نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف، يمكننا الآن عرض النتائج التالية، وفقا لما ورد في تحقيق البحث في الباب الأول، وهي ما يلي :

1- أن القراءات كلها على اختلافها كلام الله، ولا دخل لبشر فيها، فكلها نازلة من عند الله مأخوذة بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليلنا أن الأحاديث الماضية أفادت أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرجعون فيما يقرءون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- وأن الأحاديث المروية أكدت لنا جميعا مدى حماسة الصحابة في الدفاع عن القرآن مستبسلين في المحافظة عليه، وكيف كانوا متحمسين لذلك، و كيف كانوا في منتهى التيقظ لكل من يحدث فيه حدثًا، ولو كان عن طريق الأداء واللهجات. وموقف عمر من هشام بن حكيم خير دليل على هذا.

3- أنه لا يجوز أن نجعل الاختلاف في القراءات مثارًا للمراء والجدل والشقاق، ولا مثارًا للتردد والتشكيك والتكذيب؛ ودليلنا في ذلك قول نبينا صلى الله عليه وسلم فيما سبق من الأحاديث العطرة :"فلا تماروا فيه فإن المراء فيه كفر".

4- لا يجوز منع أحد من القراءة بأي حرف من الأحرف السبعة النازلة؛ ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم :"فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا".

5- إن الرأي الراجح من جميع الأراء التي تتحدث عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف، هو الذي يقول : بأن المراد بسبعة أحرف هو سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد، وذلك لتوفر الأدلة النقلية والمنطيقية، كما سلف ذكرها.

6- وهناك عديد من الوجوه التي تبين الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف نوجزها فيما يلي :

* الدلالة على حفظ كتاب الله سبحانه من التبديل والتحريف

* التخفيف عن الأمة والتيسير عليها

* إظهار فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم

* بيان إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب

* إن تعدد تلك الحروف القرآنية وتنوعها يحمل دلالة قاطعة على أن القرآن الكريم ليس من قول البشر، بل هو كلام رب العالمين.


الفصل الثاني : الاقتراحات

وهناك أمور ينبغي للكاتب إشارتها في هذا المقام إلى جميع الإخوة الدارسين في قسم اللغة العربية، وهذه الأمور التي يعنيها الكاتب كملاحظات مهمة أو اقتراحات بناءة تنفعنا جميعا – إن شاء الله تعالى حالا ومستقبلا – وهي ما يلي :

- على الإخوة الدارسين في قسم اللغة العربية ينبغي لهم أن يدرسوا علوم القرآن التي هي من أشرف العلوم الإسلامية، وعليهم أن يلموا بها إلماما تاما، رغم كونهم دارسين في قسم اللغة العربية.

- ولهذه العلوم فروع شتى، منها علم القراءات، علم الناسخ والمنسوخ، المكي والمدني، المحكم والمتشابه وغيره. والموضوع الذي نحن في صدده الآن – نزول القرآن على سبعة أحرف -, هو جزء من مباحث علوم القرآن ينبغي لأي باحث مسلم أن يدرسه، وهو موضوع شائك وشاق وممتع في نفس الوقت. والناظر فيه فعلا يحتاج إلى شيئ غير قليل من المثابرة، والجهود، والتفكير، ,وإمعان النظر. ومن ثم أحثكم أيها الإخوة في قسم اللغة العربية على دراسته, والتعمق فيه.

- ولا يدعي الكاتب أن هذه المقالة البسيطة التي بين أيدي الإخوة في قسم اللغة العربية بلغت إلى الغاية و الكمال، لأن للوصول إلى ذلك طبعا بحاجة إلى كافة الأهلية، والقدرة، والإمكانية، وشيئ من التخصص في نفس الكاتب، ,وأن الكمال لله، وإليه يرجع الأمر كله، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.


المراجع
- أبو شهبة، أحمد بن محمد. 1412 هـ / 1992 م . المدخل لدراسة القرآن الكريم. بيروت : دار الجيل.

- الصابوني، محمد علي. 1405 هـ / 1985 م . التبيان في علوم القرآن. بيروت : عالم الكتب.

- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن أبو بكر. 1408هـ / 1988 م. التحبير في علم التفسير. بيروت - لبنان : دار الكتب العلمية.

- الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. 1421 هـ / 2001 م. البرهان في علوم القرآن. بيروت – لبنان : دار الفكر.

- الزرقاني، محمد عبد العظيم. 1318 هـ/ 1998 م. مناهل العرفان في علوم القرآن. دار قتيبة

- مناع القطان. 1418 هـ / 1998 م. مباحث في علوم القرآن. بيروت – لبنان : مؤسسة الرسالة.

- السائح علي حسين. 2000 م. مدخل الدراسات القرآنية. طرابلس – ليبيا : جمعية الدعوة الإسلامية العالمية.

- صبحي الصالح. 1996 م. مباحث في علوم القرآن. بيروت – لبنان : دار العلم للملايين.